
تراث المعاهدات وأثرها
كان في صدارة معاهدات النبي محمد ﷺ رسالته لتجسيد الرحمة والتعاطف وفق التوجيه الإلهي في القرآن. وكان كل ميثاق منحه النبي للطوائف الدينية المختلفة التي قابلها يهدف إلى تعزيز العدل والخير، فضلا عن السلوك الطيب تجاه غير المسلمين في نهاية المطاف.
ولا يزال منح مساحة للحكم شبه الذاتي لشعب تحت الحكم بهذه الطريقة، وخلال تلك الحقبة، إنجازًا رائعًا للنبي محمد ﷺ. وقد نشأت العديد من المجتمعات الإسلامية المزدهرة بسبب هذه الخطوات المبكرة لبناء العلاقات بين الأديان.
التعايش في شبه جزيرة أيبيريا
ضمن الفتح الأموي الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيرية للمسيحيين القوط الأصليين والمجتمعات اليهودية القدرة على الاستمرار في الازدهار تحت حماية المسلمين.
ويعد نموذج الحكم في شبه الجزيرة الأيبيرية، وقد حكمها المسلمون لما يقرب من 800 عام، أحد أروع النماذج على التعددية الدينية التي ميَّزت الحكمَ الإسلامي. يشار إلى تلك الفترة غالبًا على أنها العصر الذهبي للإسلام وللتعايش المشترك، وهي الطريقة التي تفاعل بها الحكام المسلمون والمجتمع المسلم مع المجتمعات غير المسلمة وأسسوا من خلالها علاقات معهم بشكل موثّق جيدا. وضمن الفتح الأموي الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيرية للمسيحيين القوط الأصليين والمجتمعات اليهودية القدرة على الاستمرار في الازدهار تحت حماية المسلمين. وفي الواقع، شكَّل أعضاء الجالية اليهودية جزءًا أساسيا من نسيج المجتمع الإسلامي.
التعددية في ظل الإمبراطورية العثمانية
والمثال الآخر لمجتمع إسلامي مزدهر بعد عهد النبي ﷺ، هو الإمبراطورية العثمانية بين القرنيْن الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين، وقد كانت مزيجًا من مجتمعات كثيرة، امتدّت عبر آسيا الصغرى والبلقان وأجزاء من شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا والعراق وسوريا. إنّ الدليل الحقيقي على التعددية التي شهدها الحكم العثماني هو العدد الكبير من النسخ الباقية من العهد النبوي مع رهبان جبل سيناء ومسيحيّي نجران. تعكس هذه النسخ التزامًا بإقامة علاقات سلمية مع مجتمعات مختلفة غير مسلمة، وهو دليل على الرغبة في منح مساحة لغير المسلمين، لا مجرد التسامح أو التعايش معهم.
رمزية المعاهدات
إن المعاهدات تمثّل جهود النبي ﷺ الحثيثة لبث الشعور بالانسجام في المجتمع
وقد كانت المعاهدات محل احترام بالغ، حتى إنها تطوّرت إلى قطع فنية، إذ صُنعت الرسوم التوضيحية المزخرفة لها، ومن ذلك رسْمُ يد النبي ﷺ لتمثيل حمايته الأبدية للمسيحيين، وذلك بهدف إعطاء المعاهدات طابعًا جماليًّا خالدًا وإحساسًا أكبر بالشرعية.
إن المعاهدات تمثّل جهود النبي ﷺ الحثيثة لبث الشعور بالانسجام في المجتمع، وهو ما ينعكس في العصر الحديث في المجتمعات الإسلامية المتنامية في جميع أرجاء العالم. واليوم، تشكل المعاهدات، كما كانت حينئذ، جزءًا من رابطة راسخة تتوافق عليها البشرية.