النموذج

الحماية

الدكتور كريج كونسيدين

د. كريج كونسيدين أستاذ بجامعة رايس بالولايات المتحدة، ومتخصص في حوار الأديان. وهو مؤلف كتاب The Humanity of Muhammad - A Christian View (إنسانية محمد - نظرة مسيحية).

يركّز القرآن تركيزًا كبيرًا على الرحمة والتعاطف، ويصف النبيَّ محمدًا ﷺ بأنه {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. وتحقيقًا لهذا الدور، كان النبي ﷺ يتعامل مع الناس بتعاطف كبير واهتمام بالغ، ويأمر أصحابه أن يدعموا الأفراد الأكثر ضعفًا في المجتمع، وأن يشتركوا معًا في أن يكون هدفهم خَلْقَ مساحاتٍ آمِنة للجميع.

إكرام أهل الكتاب

كان النبي ﷺ ينظر إلى المجتمعات الدينية الرئيسية من منظور الكرامة والاحترام؛ وذلك لحرصه الدائم على تعزيز الوئام والتفاهم وفقًا لتوجيهات الله في القرآن.

ومن بين الفئات التي يكرمها القرآن ”أهل الكتاب”، وذلك في إشارة إلى تتابع المؤمنين الموحِّدين. فقد كان الإسلام في جوهره استمرارًا لتلك المبادئ الدينية الأساسية السابقة في اليهودية والمسيحية، وقد ذكَّر النبي أمته بهذا الرابط والتراث المشتركين.

ومن خلال تنمية علاقة قائمة على الثقة والتماسك، سعى النبي ﷺ إلى تشجيع العلاقات الحسنة والشعور بالواجب تجاه أهل الكتاب، وذلك من خلال المفهوم القرآني الذي يبيّن انتساب المسلمين إلى العائلة الكبرى للموحّدين، الذين يؤمنون جميعًا بالأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى. كما ذكَّر النبي أمته أن الكتب السماوية التوحيدية أكّدت جميعًا على انتسابهم جميعا لآدم وحواء.

وقد ذكَر النبي ﷺ أهل الكتاب، حتى وهو على فراش الموت، من النصارى واليهود، وأوصى بهم خيرًا. وبكلماته هذه، وعبر أفعاله النبيلة تجاه الجماعات الدينية المختلفة، كان النبي ﷺ ينقل دفة المسؤولية والحماية إلى المسلمين، مؤسّسًا لإطار حاكم من الوئام والاحترام والتعايش.

عاهد النبي ﷺ المزارعين اليهود في واحة فدك بأن يحميهم من تهديد المُغيرين عليهم.

حماية اليهود في واحة فدك

وفي المعاهدة، أعلن النبي ﷺ أن اليهود تحت حمايته، وأن لهم مكانة في دولته الجديدة في المدينة المنورة

كان النبي محمد ﷺ رجلًا قد واجه صعوبات عظيمة، جعلته يعاني الحزنَ والاضطهادَ والنفيَ والضعفَ، وهي تجارب حياتية أكسبته تعاطفًا أكبر مع المهمّشين والمستضعفين. فقد عرف النبي شعور العيش في خوف، وما يشعر به المرء عندما يفقد منزله ويخاف على سلامته.

وكانت المحافظة على الأرواح أسمى المطالب عند النبي ﷺ، وقد حثَّ قومَه على أن يعيشوا وفق مثال المسلم الحق، قائلًا: ”المُسْلِمُ مَن سَلِمَ النَّاسُ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمؤمِنُ مَن أَمِنَه النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِم وَأَمْوَالِهِم.”

وقد أظهر النبي ﷺ، بتحويل أقواله إلى أفعال، مدى استعداده للدفاع عن أي شخص من مجتمعه الأوسع إذا تعرَّض لهجوم، وهو ما ينطبق على الطوائف الدينية الأخرى. وهناك قصة تدور حول واحة فَدَك في شمال الجزيرة العربية، والتي كانت تسكنها قبائل يهودية. كان على تلك القبائل أن تدافع عن نفسها وأرضها من غارات البدو، فأكَّد النبي ﷺ لتلك القبائل في فدك أنه مستعد وقادر على إرسال قواته لحماية هذا المجتمع المُهدد.

وفي المعاهدة، أعلن النبي ﷺ أن اليهود تحت حمايته، وأن لهم مكانة في دولته الجديدة في المدينة المنورة، حيث استقر المسلمون بعد فرارهم من وطنهم مكة نتيجة الاضطهاد. وقد نصَّ على أن حياة اليهود ومعايشهم في كنفه وتحت حمايته، وضرب بذلك مثالًا قويًّا للمسلمين يُنْبِئ بمسؤوليتهم تجاه الجميع، بغضِّ النظر عن العقيدة والثقافات.

خطبة الوداع

شجّعهم النبي على تبديد أفكار التسلسل الهرمي والسلطة المقيِّدة للمجتمع، وعلى تعزيز نموذج للمساواة والعدالة والسلام عوضا عنها.

قُبيل نهاية حياته في عام 632 م، ألقى النبي محمد ﷺ خطابًا تاريخيًّا أثَّر إلى أمّته وإلى الأجيال اللاحقة.

عبّرت وصايا النبي ﷺ الأخيرة في خطبة الوداع عن جوهر تعاليمه التي كانت بدورها نتاجا لرسالته الإلهية، إذ أراد أن يترك للمسلمين منهاجا أخلاقيًّا للحياة كما تجلَّى في سيرته وإنجازاته. لقد شجّعهم النبي على تبديد أفكار التسلسل الهرمي والسلطة المقيِّدة للمجتمع، وعلى تعزيز نموذج للمساواة والعدالة والسلام عوضا عنها.

ذكر النبي ﷺ أنه ليس لعربي فضل على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى والعمل الصالح.

لقد حثَّ النبيُّ ﷺ الناسَ على أن يضعوا إنسانيتهم فوق أي تصنيفات عنصرية أو عِرقية أو دينية أو أخرى قائمة على النوع الاجتماعي. وأراد النبي للناس أن يتعايش بعضهم مع بعض، وأن يتعاملوا بإنصاف، وأن يحمي بعضُهم بعضًا. فقد لخصت خطبة الوداع رسالة النبي ﷺ في الحياة، تاركةً للناس إرثًا للاستمرار بعد موته.

النساء والرجال بعضهم أولياء بعض

كان النبي يتصرف بين الناس بوصفه قدوة حسنة لهم، إذ استشار وليًّا وحليفًا مقربًا منه، أي زوجته أم سلمة، بشأن معاهدة الحديبية

كان تغيير دور المرأة من أهم إنجازات النبي محمد ﷺ، في مجتمع كان يراها في مرتبة دنيا بعد الرجل. وقد حقّق النبي ذلك قولًا وعملًا.

فقد وصف النبي ﷺ النساء بأنهنّ ”شقائق الرجال”، وهو الوصف الذي يعكس الرسالة القرآنية التي تساوي بين البشر جميعًا، وهو الأمر الذي يشجّع على تعزيز روح التعاون والإنصاف. وبتمسكه بالحقيقة القرآنية التي تقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، شجَّع النبي ﷺ كذلك على روح الرعاية بين أهله أجمعين.

فقد كان النبي يتصرف بين الناس بوصفه قدوة حسنة لهم، إذ استشار وليًّا وحليفًا مقربًا منه، أي زوجته أم سلمة، بشأن معاهدة الحديبية، وهي معاهدة سلام لضمان حماية المجتمع. وبيَّن النبي ﷺ للجميع بأفعاله أنّ النساء مثلهنّ مثل الرجال، يجب أن يُستشرن، خاصة في الأمور السياسية؛ لما لذلك من أهمية لمصلحة الجميع. وقد كان هذا الأمر تقدمًا مهمًّا للناس، نفسيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، في مجتمع كان يحطّ من شأن المرأة.

وهكذا، كان النبي ﷺ، من خلال جهوده الملهمة، يغيّر الثقافة ويعيد تعريف السلوك، حتى يتمكن المجتمع بأكمله، رجالًا ونساءً، من التقدم والازدهار.

TextureTexture
TextureTexture
TextureTexture
Loading